للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

واكتحلتْ أجْفانُ الأزْهارِ، بإثْمِدِ النَّقْعِ المُثارِ، وتعَطَّلَتْ

أجْيادُ الأنْوارِ، منْ حُلِيِّ الديمَةِ المِدْرارِ، أرْسلَ الله تعالى بين يديْ رحمته ريحاً بليلةَ الجناحِ، مَخيلَةَ

النَّجاحِ، سريعةَ الإلقاح، فنَظَّمتْ عقودَ السحابِ، نَظْم النِّجاب، وأحْكَمتْ بُرُود الغَمَام، رائقَةَ الأعلام.

وحينَ ضرَبَتْ تلك المَخيلةُ في الأُفقِ قِبابها، ومدَّتْ على الأرضِ أطنَابَها، لم تَلْبَث أن انتهِكَ رواقها،

وأنْبَتَكَ وشيكاً نِطاقُها، وانبَرتْ مدامِعُها تَجْري بأجفانِ المُشْتاقِ، غداةَ الفراقِ، وتحْكي بنان الكرامِ، عند

أَرْيَحِيَّةِ المُدامِ، فاسْتَعْبَرَتِ الرِّياضُ ضَحكاً ببكائها، واهتزَّتْ رباب النَّباتِ طرباً لتغْريدِ مُكائِها،

واكتَسَتْ ظهورُ الأرْضِ منْ فيضِ آلائها، خُضْرَ ملائها، فكأنَّ صنْعاء قدْ نشرتْ على بساطها بِساطاً

مُفَوَّفاً، وأهْدتْ إليها منْ زخارِفِ بَزّها ومطارفِ وشْيِها ألْحافاً وتُحَفاً، وخُيِّلَ للعُيُون أنَّ زُهْر النُّجُومِ،

قدْ طَلَعَتْ منْ مواقِعِ التُّخومِ، ومباسِمَ الحسانِ، قد وصلتْ بافترارِ الغيطان، فيا بَرْدَ موقِعها على القُلوبِ

والأكبادِ، ويا خُلوصَ رَيِّها إلى غُلل النُّفوسِ الصواد، كأنَّما استعارتْ أنْفاسَ الأحْبابِ، أوْ ترشَّفَتْ

شنَبَ الثَّنايا العذاب، أو تَحَمَّلتْ ماء الوصال، إلى نارِ البَلْبال، أوْ سرَتْ على أنْداء الأسحارِ وريْحانِ

الآصال. لقد تبينَ للصُّنْع الجميلِ منْ خلالِ ديمِها تنَفُّسٌ ونُصولٌ، وتمكَّنَ للشكر الجزيل في ظلالِ

نعَمها مُعرَّسٌ ومقيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>