حينَ لمْ يبْقَ مَشرِقٌ ولا مغْرِبٌ إلا ولهُ فيه مُثْنٍ ومادِح، ووراءهُ - بحَمدِ اللَّه - منكم مَنْ يُدافِعُ عنْ مَجْدِهِ ويُنَافِح، ويَسْمُو مِنَ
المَكَارِمِ إلى حيثُ سما، ويَرْمي في المآثر إلى حيثُ رمى، وينْتَمي إلى جُرْثُومَةِ العربِ إلى أكرمِ
مُنْتَمى. فالتَّعَزِّي عليهِ بكُم ماثلٌ، والسُّلْوانُ عنِ الأحزانِ بِمَكانِكُمُ السَّادِّ لِمكانِهِ حاصِلٌ، وكُلُّكُمْ بعدَ ذلك
السَّيِّدِ الماجدِ سيِّدٌ فاضِلٌ، لا يَتَّكِلُ على الحسبِ، ولا يَقْصُرُ عنْ أهْلِ الرُّتَب.
وإنِّي، وإنْ عَزَّيْتُكُمْ - أعَزَّكُمْ الله - لَمِمَّنْ يُعَزَّى بمجْدِه، ويجدُ به حَقَّ وجْدِهِ، ولا يَرى فَقْدا كفَقْدِهِ. كانَ
في كلِّ فضيلةٍ قريعَ دَهْرِهِ، ونَسَيجَ وَحْدِهِ. وأنْتُمْ - بحمدِ الله - السَّادُّونَ في الدِّينَ والدُّنْيا مَسَدَّهُ منْ
بَعْدِهِ. وأعْتَذِرُ إليكمْ - أعَزَّكُمْ الله - منْ أشْغالٍ وكيدَةٍ مُسْتَحَقَّة، وفِكَرٍ في أشْتاتٍ مُسْتَرَقَّة، ولوْ أعْمَلْتُ
في هذا الرُّزْء قدَمي، مكانَ قَلَمي، لمَا بلغتُ قَدَرَه، ولقدْ شهِدْتُ بقلبي معَ مَنْ شهِدَهُ وحضره، وفيكم -
بحمد الله - منْ تُرْفَعُ إليه الأبصار إجْلالاً، فَتَرى فيه منَ الماضينَ - رحمكم الله - مُشابهةً كريمةً
وأمثالاً. وأنتُم - أعزَّكمُ الله - تَجْعلُونَ سَيْرَهُ وهَدْيَهُ إماماً ومِثالاً، وتَمْلؤونَ الحَضْرةَ بَهَاءً وجَمالاً.
بُدُورٌ يَسْري بها السَّارونَ، ويَقْتَدي بها المُقْتَدُون، ولا يتجاوزُها المُنْتَهُون. أقَرَّ الله بكم عُيُونَ الأوْلياء،
وأفاضَ عَلَيْكُمْ سَوَابِغَ النَّعْماءِ، وأشْرَبَ قُلُوبَكمْ جميلَ الصَّبْرِ والعزاءِ، بِكَرَمِهِ. وأَقْرَأُ عليكمْ أعَمَّ السّلامِ
وأنْماهُ، وأبَرَّهُ وأحْفاهُ، ثمَّ السلامُ المُرَددُ، عليكُم ورحمةُ الله وبَرَكاتُه.
قوله: (فما ألوى به الخطب الفادح الكالح، إلا حين لم يبق مشرق ولا مغرب إلا وله فيه مُثْنٍ ومادح)
من قطعة شعر قرأتها في النوادر لأبي علي أولها:
مضى ابنُ سعيدٍ حينَ لم يبْقَ مَشْرِقٌ ... ولا مغرِبٌ إلاَّ له فيه مادِحُ
وما كُنتُ أدْري ما فواضِلُ كفه ... على الناس حتَّى غيَّبَتْهُ الصَّفائحُ