نزل بها من الوجد بمولاها، مالم تستطع دفعه ولا كتمانه، فباحت به، وأنشأت تقول:
أَتاني الَبَلاَ حَقّاً فَمَا أَنَا صَانِعُ ... أَمُصْطَبِرٌ لِلْبَيْنِ أَمْ أَنَا جَازِعُ
كَفَى حَزَناً أنِّي عَلَى حَرِّ جَمْرَةٍ ... آُقَاسِي نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَلْبُ نَازِعُ
فَإِنْ تَمْنَعُوني أَنْ أَمُوتَ بِحُبِّه ... فَإِنِّي قَتِيلٌ، وَالعُيُونُ هَوَامِعُ
فلما سمع النهيكي شعرها دعابها، وأرادها، فامتنعت منه، وقالت له: ياسيدي إنك لاتنتفع بي. فقال
لها: ولمَ ذلك؟ قالت: لما بي. فقال: وما بك، صفيه لي. قالت أجد في كبدي نيراناً تتوقد، لايقدر على
إطفائها أحدٌ. فلا تسأل عما وراء ذلك. فرحمها ورقّ لها، وبعث بها إلى مولاها، وسأله عن خبره،
فوجد عنده مثل الذي عندها، فرد عليه الجارية، ووهب له من ثمنها خمسين ألفاً، ولم تزل عنده حتى
مات.
وحكى محمد بن عبيد، قال: كانت عندي جارية، وكنتُ أُحِبُّها فَبِعْتُها، فَتَبِعَتْهَا نَفْسِي، فصرت إلى
مولاها مع جماعة من إِخوانه، فسألته أن يُنيلَني، وأزيده خمسين ديناراً، فأبى عليّ، فانصرفت من
عنده، وفي قَلْبِي منها مَا لاَ أقدر أَنْ أَصِفه، فَرُمْتُ الصَّبْرَ، فَلَمْ أَقْدِرْ عليه، فبت ساهراً لا أدري ما
أَصْطَنع؟ فلما اشتدَّ ما بي من الجهد، وكتبت اسمها في يدي، واستقبلت القبلة، فكلَّما طرقني طارق من
ذكرها، رفعت يديَّ إلي السماء وقلت: يا مولاي! هذه قصتي. فلما كان في السحر من اليوم الثاني، إذا
برجل يضرب عليَّ الباب، فقلت: مَنْ هذا؟ فقال: أنا مولى الجارية، فخرجت إليه. فقال لي: خذ
الجارية، بارك الله لك