للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحكى حماد بن إسحاق الموصلي، عن ابراهيم ابن المهدي، أنه قال: حججت مرة مع الرشيد، فبينما

نحن في الطريق، وقد انفردت وحدي، وأنا أسير على دابتي، إذ غلبتني عيناي، فخرجت بي الدابة

عن الطريق، فانتبهت بعد حين، وأنا على غير الجادة. واشتد عليَّ الحر، وعطشت عطشا شديداً،

فبعد ذلك ارتفع لي خيال، فعمدت إليه، فإذا بقبة، وتحتها بئر، وذلك بين (مكة) و (المدينة)، ولم أربها

انسانا، فاطلعت في القبة؛ فإذا أنا بأسود نائم، فلما أحسّ بي، فتح عينيه واستوى جالساً، فرأيت أسود

عظيم الصورة، راعتني هيئته. فقلت يا أسود! اسقني من هذا الماء. فال: يا أسود! اسقني من هذا

الماء، محاكيا لي. وقال: ان كنت عطشان، فانزل فاشرب. وكان تحتي برذونٌ خبيث، نفور، فخشيت

أن أنزل عليه، فينفر، فضربت رأسه، وما نفعني الغناء قط، أكثر مما نفعني ذلك اليوم، وذلك أني

رفعت صوتي، وغنيت:

كفنوني إِنْ مِتُّ في دِرْعٍ أَرْوَى ... واستقوالي مِنْ بِئْر عروةَ مَائي

فَلَها مربع بجنب أجاج ... وصيف بالقَصر قَصر قُبَاءِ

سُخنة في الشتاء بَاردة في الصْ ... صَيْف بَدْرٌ في الليْلة الظلماءِ

فرفع الأسود رأسه، وقال: أَيُّمَا أَحَبُّ اليك، أسقيك ماء وحده، أو مَاءً وَسَوِيقا؟ قلت: الماء والسَّوِيق،

فاخرج قَعْساً له، فصب السَّوِيق في القدح، وسقاني، وأقبل يضرب بيديه على رأسه، وصدره،

ويقول: واحَرَّ صَدْرَاه! وَانَارَاه! اللهب في فؤاداه. يا مولاي! زدني. وأنا أزيده، وأشرب السَّويق. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>