وفي هذا المعنى قال المؤمل:
يكفي المُحبينَ في الدُّنيا عذابهمُ ... والله لا عذَّبتْهُم بَعْدَها سقرُ
وقال بعض الحكماء: (اغلقْ أبوابَ الشَّهواتِ بأَقْفال الزَّهادةِ، وافتح أبوابَ البِرّ بمفاتيح العبادة؛ فإنَّ
ذلك يُدْنيكَ من السعادة، وتستوجبُ به من الله الزيادة).
وحُكيَ أن رجلا راوَد امرأةً عن نفسها، فقالت له: أما أنّكَ قدْ سَمِعْت الحديث، وقرأت القرآن فأنت
أعلم؟ فقال لها: اغلقي أبواب القصر. فأغلقتها، فدنا منها، فقالت له: بقي بابٌ لم أُغْلِقْهُ. قال: أيُّ بابٍ؟
قالت: البابُ الذي بينكَ وبينَ الله، فزالَ عنها وانْصرفَ.
وحكى أن رجلا من العرب قال: خرجت في طلب ضالَّة، فاذا أنا بجارية كأنها عَلَم، فراوَدْتُها عن
نفسها، فقالت: ويلك. أمالَكَ زاجِرٌ منْ عَقْلٍ، إذْ لمْ يكن لكَ ناهٍ من دينٍ. فقلت لها: والله ما ترانا إلاّ
الكواكبُ. فقالت: فأين مُكَوْكِبُها؟ فوالله، لقد زال بِكَلامِها عن نفسي ما كان خَطَرَ بِها.
وحكي أن رجلا من أهل (البصرة) عَشِقَ جاريةً مملوكة وكان يعْلمُ ذلك، فعاتبها يوما على ذلك،
فقالت له: والله يا مولاي ما كان الاَّ الجميل. ثم انه كَمَن لهما بحيث لمْ يعلمهما، فَسَمِعَهُما يتحدثان
ويتشاكَيان، ثم انتحبَ الرجل مَلِيا، وبكى حُبّاً لها. فقالت له لجارية: أكَلُّ هذا الذي بك من حبِّي؟ فقال:
أيْ والله فقالت: فَلْيَفْرخْ رَوْعك، ولْتَطِبْ نفسُك؛ فإن الله فرَّجَ عنك، فاصنع بي ما شئت، فانه لا مانع
لك. فاشتد بكاؤه، لما سمع قولها