للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بكاء شديدا. فرفع الحسن رأسه، فبكى أشد من بكائه، ثم قال: ان سلطاننا هذا أخفر ذمة الله، وتحول عباد الله،

وقتلهم علي الدينار والدرهم، وقطعهم عضوا عضوا. أخذه من كل خبيث، وأنفقه في كل سرف

مضغة قليلة، وندامة طويلة. أما إذا خرج عدوّ الله، فصاحب مراكب رفافه؛ وسرادقات هفافه؛ وإذا

خرج أخوه المسلم فطاويا، راجلا مهموماً، مالهم أراحنا الله منهم.

قال: فسعي هذا إلى الحجاج ووالله ما برحنا، حتى جاء حرسيّان، في أعناقهما سيفان. فقالا للحسن:

أجب الأمير. قال أبو نعامة: فخفنا والله. وكانت مخوفة. فانطلقت معه أنا وثابت حتى دخلنا على

الحجاج، وهو قاعد على سريره، وبيده قضيب يضرب به. والغضب ظاهر في وجهه، فانتهى إليه

الحسن، فسلم ووقف بين يديه. فقال له الحجاج: يا حسن. أنت صاحب الكلمات قبيل. قال: نعم،

أصلح الله الأمير. قال: فنكس الحجاج رأسه، وأطرق طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: أعدهن يا علي.

فاعادهن كلهن، ما أسقط منهنّ واحدة. فأطرق الحجاج أيضا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: وما دعاك

إلى هذا. قال: ما أخذ الله تبارك وتعالى علينا في كتابه، في قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) قال: وكان الحسن يفسرها:

لتتكلمن بالحق ولتصدقنه بالعمل فأطرق أيضا طويلا، ثم رفع رأسه فقال: اذهب أيها الرجل، فتكلم

بما بدا لك، فانما أنت والدٌ في أنفسنا، غير ظنين عندنا ولا متهم؛ بل ناصح لخاصتنا وعامتنا، فليس

مثلك يؤاخذ بقول ما كان؛ لأنك ما تريد إلا خيراً.

قال: فانصرف الحسن - رحمه الله - الى مجلسه. تمت الحكاية.

فهكذا يجب للعالم أن يكون حاله، وتصدق أقواله وأعماله.

<<  <  ج: ص:  >  >>