وهذا لا يمنع أن ينهى عن الصلاة في أماكن خاصة من الأرض؛ لمعنى يختص بها غير كونها غير مسجد مبني للصلاة فيه.
وقد خرج الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال:((أعطيت خمسا ما أعطيهن أحد كان قبلي)) - فذكر منها:((وجعلت لي الأرض مساجد وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم)) .
وهذا يرجع إلى العموم إذا سيق لمعنى خاص عم ما سيق له من ذلك المعنى دون غيره مما لم يسق الكلام له، ومن الناس من يأخذ بعموم اللفظ، والأظهر الأول. والله أعلم.
وليس هذا كتخصيص العموم بسببه الخاص، فإن الشارع قد يريد بيان حكم عام يدخل فيه السبب وغيره، بخلاف ما إذا ظهر أنه لم يرد من العموم إلا معنى خاص سيق له الكلام، فإنه يظهر أن غير ما سيق له غير مراد من عموم كلامه. والله أعلم.
وقد زعم بعضهم: أن عموم قوله: ((جعلت لي الأرض مسجدا)) لا يصح الاستثناء منه؛ لأنه وقع في ((صحيح مسلم)) من حديث حذيفة: ((جعلت لي الأرض كلها مسجدا)) . قال: وتأكيد العموم بـ ((كل)) ينفي الاستثناء منه؛ لأن التأكيد ينفي المجاز، والعام المستثنى منه يصير مجازا.