فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم -، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:((أوصيكم بالأنصار؛ فأنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)) .
وأما أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتجهيز جيش أسامة: فقد خرجه ابن سعد بإسناد فيه ضعف عن عروة - مرسلا -، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بعث أسامة وأمره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصاحبه يتجهزون، وقد عسكر بالجرف، فاشتكى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه، فقال:((أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة)) - ثلاث مرات -، ثم دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستعز به، فتوفي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد خرجا في ((الصحيحين)) من حديث ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أثنى على أسامة ووصى به، وقال:((أنه لخليق بالإمارة)) .
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر)) .
قال الخطابي: معنى قوله: ((أمن)) ، أي: أبذل لنفسه وأعطى لماله، والمن: العطاء من غير استثابة، ومنه قوله تعالى:{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}[ص:٣٩] وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:٦] أي: لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت، ولم يرد به المنة؛ فإنها تفسد الصنيعة، ولا منة لأحد على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل له المنة على جميع