وقد تقدم عن سفيان، أنه حكى عن بعض العلماء، أنه عد التاخير إلى النصف الثاني تفريضاً، فظاهر حديث أبي ذر الذي خرجه البخاري يدل على انه يشرع الإبراد بالأذان عند إرادة الإبراد بالصلاة، فلا يؤذن إلا في وقت يصلي فيه، فإذا أخرت الصلاة أخر الأذان معها، وأن عجلت عجل الأذان.
وقد وقع في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن من أخر الصلاة في السفر إلى آخر وقتها وهو سائر، أنه يؤذن إذا نزل وأراد الصلاة، وحملوا فعل ابن مسعود بالمزدلفة على ذلك، إذا دخل وقت الثانية أذن لها.
ويشهد لذلك: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة جمع لما غربت له الشمس بعرفة، ودفع، لم ينقل عنه أنه أذن للصلاة، فلما قدم جمعاً أذن وأقام وصلى.
وهذا يدل على أن الصلاتين المجموعتين في وقت الثانية لا يؤذن لهما إلا عند صلاتهما في وقت الثانية، فيكون الأذان للوقت الذي يصلي فيه لا للوقت الذي يجمع فيه.
ولكن قد روى أبو داود الطيالسي هذا الحديث في " مسنده"، عن شعبة - وخرجه من طريقه الترمذي - ولفظه: قال أبو ذر: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر ومعه بلال، فأراد ان يقيم، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أبرد"، ثم أراد أن يقيم، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أبرد في الظهر". قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن شدة الحر من فيح جهنم، فأبردوا عن الصلاة".