فلو كان هؤلاء لا يعتقدون أن رؤية القلب مشتركة بين الأنبياء وغيرهم لم يكن في تخصيص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك مزية له لا سيما وإنما قالوا: إنها حصلت له مرتين؛ فإن هؤلاء الصوفية يزعمون أن رؤية القلب تصير حالا ومقاما دائما أو غالبا لهم، ومن هنا ينشأ تفضيل الأولياء على الأنبياء، ويتفرع على ذلك أنواع من الضلالات والمحالات والجهالات، والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم.
فهذه المقامات الثلاث " الإسلام والإيمان والإحسان يشملها اسم الدين، فمن استقام على الإسلام إلى موته عصمه الإسلام من الخلود في النار وإن دخلها بذنوبه، ومن استقام (٢١١ – ب / ف) على الإحسان إلى الموت وصل على الله عز وجل، وقال تعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزيادة}[يونس: ٢٦] وقد فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزيادة بالنظر إلى وجه الله. خرجه مسلم من حديث صهيب (١) .
وأما قول جبريل: " أخبرني عن الساعة " فقال: " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " فمعناه: إن الناس كلهم في وقت الساعة سواء، وكلهم غير عالمين به على الحقيقة؛ ولهذا قال: " في خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم تلا {إن الله عنده علم الساعة}[لقمان: ٣٤] وهذه مفاتيح الغيب الذي لا يعلمها إلا الله. وقد جاء عن ابن مسعود أن نبينا أوتي علم كل شيء سوى هذه
(١) مسلم (١٨١) ، وانظر " الكامل " (٢ / ٢٦٠) لابن عدي، و" التتبع " (ص: ٢١٠) للدار قطني، وراجع " جامع العلوم والحكم " (١ / ١٠٣ – ١٠٤) طبعتنا.