ومنها أن تكون الآية بيِّنة المعنى، لكن ما يحتاج إلى بيان يرتبط بالحكم، وليس ببيان المعنى، ومثل الآية المستشهد عليها في بيان المجمل، فقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١] يبين حكمه قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، فالمعنى فيها واضح، لكن الحكم هو الذي فيه إجمال في الآية الأولى فبيَّنته الآية الأخرى. وهذا التحليل قد يكون مشكلاً على بعضهم في كونه ليس من التفسير، لكن لا يعني قولي هذا أننا لا نحتاج إلى هذا البيان، وإنما المراد ترتيب علوم الآية، فالتفسير قد تمَّ ببيان المعنى، ثمَّ يليه بيان الحكم المترتب على هذا المعنى. أما إذا كان بيان الحكم لا يمكن إلا ببيان المعنى، فإن بيان الحكم آنئذٍ من التفسير، فتفسير {المُنْخَنِقَة} هو بيان معنى وبيان حكم في آنٍ واحدٍ؛ لأن المعنى لا يتبيَّن إلا بمعرفة المراد بهذا اللفظ، والحكم مترتب على هذا أيضاً. لذا يمكن أن نقول: إن بيان أحكام القرآن على قسمين: الأول: قسم لا ينفك عن التفسير، فهو تفسير وبيان حكم في آن واحدٍ. الثاني: قسم يأتي بعد التفسير؛ أي أن بيان المعنى مستقل عن بيان الحكم الفقهي، فمعرفة المعنى أولاً، ثمَّ بيان الحكم الفقهي ثانياً. ولعله يتبين أكثر فيما إذا نظرنا إلى بيان المعاني هل ينقص أو يشكل بعدم معرفة الحكم الفقهي أم لا، فإذا كان ينقص، فالحكم الفقهي هو من باب التفسير ومن باب بيان الحكم أيضاً، وإن كان المعنى لا ينقص بعدم تفصيل الحكم، فإن المعنى قد انتهى، والحكم يكون تابعاً له ومرتّباً عليه، وليس أصلاً فيه. والمقصود أن من جعل بيان المعنى هو التفسير، فإنه سيظهر له عدم دخول بعض هذه الأنواع في التفسير (٤، ٧ مما سيأتي)، وإنما ستكون من المعلومات التي تأتي بعد، وتُبنى عليه، والله أعلم وأحكم.