زين الدين العاصمة الفرنسية بعد أن قدم أطروحة في القانون بامتياز، فتشتت جماعة (الجامعة العربية).
عندما أحل بباريس -مرة أو مرتين في الشهر- كنت أذهب لاتحاد الشبان المسيحيين وأزور بواعنيني. غير أني كنت التقي الأخوين بن ساعي وكذا علي بن أحمد.
ورغم خلافاتنا واختلافاتنا فقد كانت رؤانا تتقارب وبخاصة أنها كانت على طرفي نقيض مع أفكار الآخرين. كان علي بن أحمد وبن ساعي يريان في مصالي مجرد شرطي، وكنت أرى فيه إنسانا نزيها دون أن يرقى هو نفسه إلى (وطنيته) فيحققها. وكنت متفقا مع أصدقائي حول عدم فعالية هذه القوة العمياء وعلى خطورتها إذ يمكن أن تصبح أداة في يد الإدارة الاستعمارية.
وكان ما يصدمني دائما هو (البوليتيك) Boulitique)) ، هذا الشيء الذي يقال ويعاد إلا أنه لا يطبق بسبب غياب مذهب، فالبوليتيك لا يطرح أبدا مسألة الوسائل.
كان مصالي يبدو لي من نوع (البوليتيك) على غرار بن جلول ولكنه كان أكرم وأكثر حفظا للوجه وأكثر عفة. بيد أني لم أر مطلقا، سواء لدى (العلماء) أو لدى غيرهم، أثرا لما يسمى السياسة (Politique)، فالسياسة ليست ما يقال بل ما ينجز. وللأسف كان علينا أن ننتظر طويلا حتى ظهور القضية الفلسطينية، لنرى تشكيل (روح سياسية) في العالم الإسلامي لا تطرح المشكلة الانتخابية كمشكل أساسي ولكن تتحدث عن مشاكل الإنسان والتراب والزمن، سواء عبرت عنها بهذه الكلمات أو بعبارات أخرى أقل منهجية ونسقا.