شرح لي هذا المهندس كيف كان يشتغل في مؤسسة خاصة بأجهزة التبريد بمدينة الإسكندرية حيث أكد لي أنه كان منعما بهذا العمل الذي يكسبه قوتا جيدا. وكان ذلك باديا على ملامحه. ثم أخبرني هذا اليهودي، الذي كان روسيا ثم أصبح فرنسيا، أنه تحصل على الجنسية المصرية. كنت أعلم أنه من السهل عليه وهو اليهودي الإقامة في بلاد الفراعنة مني أنا المسلم. غير أن الأمل كان يحدوني مع البعثة الجامعية المصرية التي وصلت إلى باريس. قدمت دروسا فى اللغة الفرنسية لبعض أعضائها كما تعرفت على رؤساء البعثة الشيوخ تاج ودراز (١) وعفيفي الذين وعدوني بالمساعدة للحصول على تأشيرة من سفارتهم. مع هذه المساعدة التي افتقرت إليها السنة الماضية، كنت متيقنا تقريبا بالحصول على تأشيرتي.
أجل! ولكن ماسينيون يحرص ويراقب. فكللت جميع مساعي الشيوخ لدى سفارتهم بالفشل المطلق. فأدركت أنه إذا كان من اليسير على مهندس يهودي أن يذهب ليقيم في مصر، فإن الأمر يستحيل على مهندس مسلم. واعتقد أنني لم أكن بعيدا جدا عن الردة عن الإسلام في تلكم الأيام، هذا الإسلام الذي خانه المسلمون والذي لم أر فيه أي روح أو مهب عقل. إني أسجل هذه النقطة لأن لها أهميتها فيما بعد. لقد أدركت بعدها أن هذا بالذات هو هدف ماسينيون: إلهامي بغضا شديدا لإخواني في الدين. وكان بن ساعي يثور عندما أحدثه عن حنقى وغضبي على المسلمين.
(١) الشيخ عبد الله دراز هو الذي وضع تقديما بالفرنسية لكتاب بن نبي المشهور الموسوم (الظاهرة القرآنية) الذي صدر في ١٩٤٦ في منشورات النهضة. (المترجم).