أكون خرقت بجناحي الصغيرين خيوط بيت العنكبونة. لم أتلق حتى مجرد رد. بيد أني عزمت أن أضع بعض الخميرة العلمية في العقل الأهلي، بأسلوب آخر.
فحيثما كنت، بين الشباب أو الشيوخ، وخصوصا في النادي الذي افتتح أبوابه حديثا بتبسة، لم يكن لدي موضوع للكلام إلا العلم والصناعة. وفي الواقع، كنت أعطي دروسا حقيقية مجردة من الصيغ حول صناعة الزجاج، والبطارية والورق والجير المائي والصابون وغيرها. وقد تمكنت من إقناع شاب تبسي أن هناك ربحا يمكن جنيه في تربية النحل على شرط إدخال الأساليب العصرية في هذه التربية.
ثم بدأ الحديث عن النطاق البيئي المتحرك في منطقة تبسة. فهذه المنطقة بدأت تثير في نفسي العديد من المخاوف. وربما كنت الوحيد الذي انتابني هذا القلق أمام تقدم رمال الصحراء الذي لم يلحظه أحد. وعندما أخصص، بعد اثنتي عشر سنة فصلا للتراب في كتابـ (شروط النهضة)، فإن الكثير من القراء لم يروا ربما إلا نوعا من التسرع أو ملهاة من بنات أفكار مثقف. إلا أن الخطر أثار تخوفي منذ ١٩٣٧ إذ أنه أصبح واضحا جليا.
ارتأيت أنه من الواجب أن أعرض مشكلة البيئة في محاضرة ألقيها في قاعة الحفلات بتبسة. غير أني لم أكن مسلحا إلا بيقيني لإقناع الناس. كان الآخرون يحدثونهم عن (الحقوق) ويكلمونهم عن (الانتخابات)، وكنت أكلمهم عن العمل. فحتما لم يسمعني أحد.
مستمع واحد أظهر اهتماما متحمسا للمحاضرة، فطرح علي إثرها