للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

وتجد في الجماعة التونسية بعض الوجوه الودودة، خفيفة الظل، على الأقل قبل أن يصيبها السوء ويذبلها المهب الذي أطلقه بورقيبة. فابن سليمان فتح عينيه على حياته كطبيب في الأفق. أما بن ميلاد فكان يدير قطاعا من جمعية الطلبة، لم أتبينه بوضوح، حتى يتسنى له استيعاب مهنته كرجل دولة تونسي مستقبلا. أما ابن يوسف فكان يبتهج داخليا عندما يدور الحديث عن الإسلام أو يسمع جملة رائعة. من جانبه، كان بن لهوان، المادي الملحد، يعد نفسه والأفكار مشوشة لديه. في حين كان الهادي نويرة لا يزال يتدرب على نبرات صوته مفضلا دائما الرجة في النبرة. وكان الراحل ثامر - رحمه الله -يشع طيبة ترهص لاستشهاده.

أما جماعة المغاربة فكان يلفها غموض البلاد المغربية. كان محمد الفاسي الذي يرأس وقتها (جمعية طلبة إفريقيا الشمالية) يتريث ويأخذ وقتا للتفكير وهو يتناول كيس تبغه، ولا يستعجل أمره ويزن القضية بتأن وروية، كما يمليه عليه حس موروث عبر أجيال عديدة من تجار فاس ومعاشري الأمراء. أما بلافريج فلم يكن سوى مجرد ظل لرئيسه. وقد شكل الاثنان نواة الحكومة المغربية القادمة.

غير أن الأول كان يدرك أن الحاضر يعد المستقبل، فأقام علاقة مع ابن غبريط (١) ثم مع ماسينيون، كما أدركت لاحقا. أما توريس فكان يشكل عصبة لوحده. ووعيا منه بأنه وحيدا فقد كان يصفق لنفسه


(١) عميد مسجد باريس في الثلاثينات من القرن الماضي. المترجم.