عندما أخبرني صديقي بن ساعي برغبة ماسينيون في لقائي كنت أجهل أن جميع الخيوط التي تحرك عالمنا الصغير كانت بين يدي هذا الأخير. وكان هو نفسه خفيا متواريا كالعنكبوت في بيتها. ويجب أن أقول، من جهة أخرى، أنني أخذت وعيا في الحين لماذا تسعى هذه العنكبوت لاجتذابي في شبكتها التي وجد عبد الجليل نفسه سنوات من قبل محبوسا بين خيوطها، مخدرا ومقيدا.
ويجب القول أن جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا التي رأت النور بباريس، شكلت في ذلك الوقت بواكير ومقدمات للعديد من الأمور وكانت تبشر بآفاق جديدة وتحمل أمورا افتراضية لم تكن إلا لتثير قلق الاستعمار وشكوكه، فبدأ بالفعل، وبالتزامن مع نشاط الجمعية، يعتمد سياسات نشر البربرية واللاتينية والتنصير والفرنسة في شمال إفريقيا.
شكلت وصية الأب دي فوكو (Père de Foucaud) (١) كتابا يهتدي به جميع الموظفين وكل القساوسة الذين كانت لهم يد في (شؤون المسلمين)، من قريب أو من بعيد , وكان منفذ وصية الأب دي فوكو هو ماسينيون الذي لم يخف البتة هذا الشرف بل كان يعتز به.
(١) من أسس هذه الوصية. (تحقيق التحول الاجتماعي والثقافي للشعب الجزائري المسلم بفعل الفضيلة المضاعفة للاستعمار: الحضارة الفرنسية والخلق المسيحي، وعلى خط من سبقوه كالكاردينال لافيجري، كان الراهبـ (دي فوكو) متحرقا إلى المساهمة، وفقا لأسلوبه، في المهمة التاريخية لبلده في المجال الاستعماري). من كتابـ (شارل دي فوكو في نظر الإسلام)، لعلي مراد. ترجمة علي مقلد. ص. ٨١. المنشورات العربية. ١٩٨٠. والكتاب مولته مجموعة من الشركات الفرنسية واللبنانية. ومن المعروف أن دي فوكو وماسينيون كانا، وعلى طريقتهما الخاصة، من كبار المناصرين للمهمة التنصيرية للاستعمار. (المترجم).