كما أن (مؤامرتنا) لم تكن سرية إلا في مخيلة بعض البريئين الحالمين، على غرار ما كنت أنا شخصيا.
ورغم ذلك فقد كنت احترز وأتسلح ببعض الحذر. فقد رفضت مثلا أن تقبل عضوية الهادي نويرة بسبب صوته الذي أجد فيه رجة لا تعجبني، فلم أكن أرى فيه خائنا ولكن أحسبه ممثلا كوميديا.
كان ثمة بن يوسف وتوريس وبلافريج وبن ميلاد فيما اعتقد. كما حضر محمد القاسي، الذي كنا نراه أثناء اجتماعاتنا التي لا نزال نزعم أنها (سرية) وهو يستنشق تبغه، ويبتسم ويصفق. لقد كان متآمرا حذرا، حذرا للغاية. وبفضل يقظته وحذره أصبح، فيما اعتقد، مديرا لجامعة القرويين.
وباختصار، فقد كنا نحس أنفسنا في أمان بفعل غياب وعينا.
غير أنه إذا كان ثمة من له مصلحة معينة في تسجيل أفعالنا وحركاتنا في سنة ١٩٣٢ هذه، فلا شك أن الحصيلة معتبرة: فكلما مدت العنكبوت بأحابيلها الإدارية، خرقها جناحان صغيران دون شعور. ولم يعد موفق يتظاهر بالوطني الجزائري الذي أهانه التونسيون والمغاربة. أما لحمق فقد اختفى نهائيا من الحي اللاتيني. في حين أصبح ساحلي أكثر ابتساما وهو يتجرد من النزعة القبائلية. من جهته، أخذ بومنجل يبتعد عن شريكه نارون الذي بات استبعاده جديا من المربع الأخير للأشخاص الذين كانوا يطمحون في عضوية جمعية الطلبة المسلمين الجزائريين البائدة مهما كلفهم الثمن. ومن جانب آخر، شكلت مع اتحاد الشبان المسيحيين، (مجموعة)، ستصبح موضوع حديث لبعض الوقت.