[كتابة العمل والأجل والرزق وشقي أو سعيد ونحن في بطون أمهاتنا]
٤٣ - وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه- قال: حدثنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم وهو الصادق المصدوق:
«إنّ أحدكم يجمع خلْقه في بطنِ أمِّه أربعين يوما نطفة، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثمّ يبعث اللَّه إليه ملكا بأربع كلمات: فيكتب عمله وأجله ورِزقه وشقِي أو سعيد، ثمّ ينفخ فيه الروح، فوالّذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجَنَّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها؛ وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجَنَّة فيدخلها»
متّفق عليه.
ــ
٤٣ - رواه البخاري كتاب بدء الخلق (٦ / ٣٠٣) (رقم: ٣٢٠٨) ، والأنبياء (٦ / ٣٦٣) (رقم: ٣٣٣٢) ، والقدر (١١ / ٤٧٧) (رقم: ٦٥٩٤) ، والتوحيد (١٣ / ٤٤٠) (رقم: ٧٤٥٤) ، ومسلم كتاب القدر (٤ / ٢٠٣٦) (رقم: ٢٦٤٣) .
قال الحافظ في " الفتح " (١١ / ٤٧٩) :
المراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي القليل، والأصل في ذلك إن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد اللَّه أن يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك.
قال ابن الأثير في " النهاية ": يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم، أي: تمكث النطفة أربعين يوما تخمّر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلّق بعد ذلك.
ثم يكون علقة: يكون هنا بمعنى يصير، ومعناه أنها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين ثم تنقلب إِلى الصفة التي تليها.
العلقة: الدم الجامد الغليظ سمّي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلّقه بما مر به.
المضغة: قطعة اللحم سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ.
والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حلالا أو حراما، وبالأجل: هل هو طويل أو قصير؟ وبالعمل صالح أو فاسد.
ومعنى شقي أم سعيد: أن الملك يكتب إِحدى الكلمتين كأن يكتب مثلا أجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار ما يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دلّ عليه الخبر.
وفي الحديث حث على القناعة والزجر الشديد عن الحرص لأن الرزق إذ كان قد سبق تقديره لم يغْنِ التغني في طلبه وإنما شرع الاكتساب لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا.
وفيه أن الأعمال سبب دخول الجَنَّة أو النَّار ولا يعارض ذلك حديث «لن يدخل أحدكم الجَنَّة بعمله» (١) لأنه لولا رحمة اللَّه لعبده لما أدخله الجَنَّة، لأن العمل بمجرّده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجَنَّة ولا أن يكون عِوضا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه اللَّه لا يقاوم نعمة اللَّه بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفِّها حق شكرها، فلو عذبه على هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم، وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرا من عمله، وفيه أن من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا، وكذا عكسه، ولكن ربما يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب، فنعم، ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان صدق بالخير والصلاح.
وفيه الحثّ على الاستعاذة باللَّه من سوء الخاتمة.
(١) رواه البخاري ومسلم.