للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك الحق والصدق هو ما أخبرت به الرسل" (١) أ. هـ.

لقد شهدت العقول والفطر: بأن الله أهل أن يعبد، ولو لم يرسل بذلك رسولاً وينزل به كتاباً. كيف وقد أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه فيهما، وتذكير العباد بمقتضاهما؛ فالشرع لا يأتي بمحالاتهما وإن أتى بما يعجزان عن إدراكه.

فالشرك قبيح ذاتياً بضرورة العقل، وببداهة العلوم الضرورية. ومن ثم احتج القرآن على المشركين، وبين فساد مذهبهم بالأدلة العقلية، وبما ركبه في العقول من حسن عبادة الخالق، وقبح عبادة ما سواه، وضرب لهم الأمثال. ولو كانت حرمة الشرك متوقفة على النهي والخبر فقط لم يبق لتلك الأمثال معنى، وعادت أدلة الشرع منحصرة في: إن الله يأمركم بكذا، وينهاكم عن كذا ..

قال ابن القيم: "وكذلك إنكاره قبح الشرك به في إلهيته وعبادة غيره بما ضربه لهم من الأمثال، وأقام على بطلانه من الأدلة العقلية، ولو كان إنما قبح بالشرع لم يكن لتلك الأدلة والأمثال معنى. وعند نفاة التحسين والتقبيح: يجوز في العقل أن يأمر بالإشراك به وعبادة غيره، وإنما علم قبحه بمجرد النهي.

فيا عجباً أي فائدة تبقى في تلك الأمثال والحجج والبراهين الدالة على قبحه في صريح العقل والفطر؟ وأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم؟ وأي شيء يصح في العقول إذا لم يكن فيه علم بقبح الشرك الذاتي، وأن العلم بقبحه بديهي معلوم بضرورة العقل، وأن الرسل نبهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم من قبحه، وأن أصحابه ليست لهم عقول ولا ألباب ولا أفئدة ..

وكم في القرآن من مثل - عقلي وحسي - ينبه به العقول عل حسن ما أمر به وقبح ما نهى عنه. فلو لم يكن في نفسه كذلك لم يكن لضرب الأمثال


(١) النبوات: (ص:٢١٤: ٢١٥).

<<  <   >  >>