للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: التحسين والتقبيح العقلي للأفعال]

نبتت تلك المسألة في مباحث كتب الأصول، وقام المتكلمون بعرضها بطريقة سقيمة بناء على شبه أدلة وبراهين مفتراه افترض فيها مفتروها أنها موافقة ومستمدة من العقل الصريح، وقدمت بطريقة أشبه بالألغاز والأحاجي بدلا من طرحها بطريقة قويمة منبثقة من المعقول المستقيم الموافق للمنقول الصحيح.

ونظرا لمسيس الحاجة لتلك المسألة الفارقة بين تنزيه الله والتنقص به، وبين توحيده والشرك به، وبين صحة الرسالات وبطلان الافتراءات، مع شدة الصلة واستحالة الانفصال بينها وبين القضية محل البحث رأيتني مضطراً للحديث عنها، إلا أني قد أخذت على نفسي عهداً أن أنقيها - بمشيئة الله وعونه - مما علق بها من أوزار المتكلمين، مع إقامة الفرقان عليها من نصوص الوحيين بفهم سلف الأمة وأئمتها، وكذلك كشف العورات والسوءات والمخازي الشنيعة التي تلزم كل من انحرف عن الصراط المستقيم فيها، مع تقديمها بسهولة ويسر قدر المستطاع، والله المستعان وعليه التكلان.

هل الأفعال توصف بالحسن والقبح الذاتي مع إدراك العقل لهما أم لا؟.

قالت طائفة: إن التوحيد والصدق والعدل والطيبات ... تتصف بالحسن الذاتي في العقل، وإن الشرك والظلم والكذب والخبائث توصف بالقبح الذاتي فيه وهو - أي العقل - متعلق التكليف، وبه يستحق العقاب وإن لم يرد بذلك سمع.

وحملوا قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) على الواجبات العملية دون العلمية، ومنه من حملها على العذاب الدنيوي دون الأخروي، ومنهم من قال: العقل هو الرسول المتوقف عليه العذاب ... إلى غير ذلك من التأويلات المستكرهة التي هي أقرب للتحريف منها للتأويل مع


(١) سورة الإسراء، الآية: ١٥.

<<  <   >  >>