(٢) قال ابن القيم في دحض هذه المقولة المفتراه: إن العقل مع الوحي كالعامي المقلد مع المفتي العالم بل ودون ذلك بمراتب كثيرة لا تحصى، فإن المقلد يمكنه أن يصير عالماً، ولا يمكن للعالم أن يصير نبياً رسولاً، فإذا عرف المقلد عالماً فدل عليه مقلداً آخر، ثم اختلف المفتي والدال فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون المقلد الذي دله وعرفه بالمفتي.
فلو قال له الدال: الصواب معي دون المفتي؛ لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت فلزم القدح في فرعه. فيقول له المستفتي: أنت لما شهدت بأنه مفت، ودللت على ذلك، شهدت بوجوب تقليده، دون تقليدك، كما شهد به دليلك، وموافقتي لك في هذا العلم المعين لا تستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت، وأنت إذا علمت أنه مفت باجتهاد واستدلال، ثم خالفته باجتهاد واستدلال كنت مخطئاً الاجتهاد والاستدلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده واتباع قوله، وإن أصبت في الاجتهاد والاستدلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده واتباع قوله، وإن أصبت في الاجتهاد والاستدلال الذي به علمت أنه مفت مجتهد يجب عليك تقليده، هذا مع علمه بأن المفتي يجوز عليه الخطأ، والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله ولا يجوز عليه الخطأ. أ. هـ. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (٣/ ٨٠٨: ٨٠٩) وقال محقق الكتاب: هذا النص في درء تعارض العقل والنقل (١/ ١٣٨، ١٣٩) ونقله شارح الطحاوية /٢١٩.