- بعد استعراض حجج الله وبيناته على وجوب التوحيد وحل الطيبات، وعلى حرمة الشرك والخبائث والمتمثلة في: الميثاق، والفطرة، والعقل، مع شهادة الآيات الكونية بصحة موجبها ومقتضاها، يمكننا الاهتداء إلى علة ثبوت وصف الشرك لمن عبد غير الله جاهلاً، ولو لم تقم عليه حجة البلاغ.
- وبذلك أسجل القرآن على المشركين: مخالفتهم لحجج التوحيد، وخرقهم لعهودها، ونبذهم للوفاء بها؛ ووصف أفعالهم القبيحة - من الشرك، واقتراف الموبقات - بأنها ذنوب - وسيئات من قبل أن يقرع آذانهم بحكم من السمع يخالفونه.
- ومن ثم أوجب - أي: الوجوب المستوجب للعقاب لمن لم يقم به - عليهم: التوبة والاستغفار مما اقترفت أيديهم من الشرك والفساد فور مجيء الرسل إليهم، وبلوغ الخطاب لهم.
- فلولا أن حسن التوحيد، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وقبح الشرك به أمر ثابت في نفسه معلوم بالفطر والعقول لم يخاطبهم القرآن بهذا، إذ كانوا لم يفعلوا شيئاً يُذمّون عليه.
- وبذلك ندرك المعنى الجليل لقوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: ١٥)، ولقول المعصوم - صلى الله عليه وسلم "ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين". فنفي العذاب في الآية برهان باهر على: اقتراف أفعال مذمومة من المشركين العصاة تستوجب العقوبة عليها، وكذلك عذر الله لعباده المتمثل في إرسال الرسل - مبشرين ومنذرين - يؤكد مدلول آية الإسراء؛ وإلا انتفى المقصود من نفي العذاب في الآية، وحب الله للعذر في الحديث.