سبحانه بين ذلك وبين تأييد الصادقين بها، فإن العقل لا يقبل ذلك، ولا يحسن هذا، وليس إلا مجرد القدرة والمشيئة، فلما أورد عليهم العقلاء أن هذا يسد طريق العلم بالنبوة، عدلوا إلى نوع من المعارضة لخصومهم من المعتزلة، وقالوا: هذا يلزمنا ويلزمكم، فإن وجوب النظر في المعجزة عندكم، وإن وجب بالعقل، لكن وجوبه نظري؛ فالمكلف يقول: لا أنظر حتى يجب علي، ولا يجب علي حتى أنظر، فسددتم على أنفسكم طريق إثبات النبوة، فانظر كيف آل أمر الفريقين إلى الاعتراف بأن العلم بإثبات النبوة طريقه مسدودة عليهم، وماذا يفيدكم مشاركة خصومكم لكم في هذا الضلال المبين والكفر المستبين؟ فأبعد الله أصولاً وقواعد هذا حاصلها، ورأس مال أصحابها" (١) أ. هـ.
وأختم هذا الفصل بنقل للإمام ابن القيم يفضح فيه قول النفاة ويعري أصولهم الزائفة، ويهدم قواعدهم الساقطة
قال ابن القيم رحمه الله: "وحسبك بمذهب فساداً استلزامه: جواز ظهور المعجزة على يد الكاذب، وأنه ليس بقبيح، واستلزامه جواز نسبة الكذب إلى أصدق الصادقين، وأنه لا يقبح منه، واستلزامه التسوية بين: التثليث والتوحيد في العقل، وأنه قبل ورود النبوة لا يقبح التثليث ولا عبادة الأصنام ولا مسبة المعبود، ولا شيء من أنواع الكفر، ولا السعي في الأرض بالفساد، ولا تقبيح شيء من القبائح أصلاً.
وقد التزم النفاة ذلك وقالوا: إن هذا الأشياء لم تقبح عقلاً، وإنما جهة قبحها السمع فقط، وأنه لا فرق قبل السمع بين: ذكر الله والثناء عليه وحمده وبين ضده، ولا بين الصدق والكذب والعفة والفجور والإحسان إلى العالم والإساءة إليهم بوجه ما، وإنما التفريق بالشرع بين متماثلين من كل وجه.
وقد كان تصور هذا المذهب على حقيقته كافيا في العلم ببطلانه وأن لا
(١) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (٤/ ١٤٣٧: ١٤٣٨).