للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفر، أو إيمان، أو طلاق، أو إعتاق، أو بيع، أو شراء، أو صلح، أو إبراء لم يؤاخذ بشيء من ذلك لأنه لم يلتزم مقتضاه، ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك لأنه لم يرده. فإن الإرادة لا تتوجه إلا إلى معلوم أو مظنون، وإن قصد العربي بنطق شيء من هذه الكلم، مع معرفته بمعانيها نفذ ذلك منه." (١).

وقال الإمام الطحاوي معلقاً على حديث الحبريّن اللذين شهدا بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، دون الإقرار بفرضية اتباعه. قال رحمه الله:

"ففي هذا الحديث أن اليهود قد كانوا أقروا بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع توحيدهم لله، فلم يقاتلهم - أي لامتناعهم عن طاعته بعد الإقرار بصحة رسالته - رسولا لله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقروا: بجميع ما يقر به المسلمون.

فدل ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين: وثبت أن الإسلام لا يكون إلا بالمعاني التي تدل على الدخول في الإسلام، وترك سائر الملل" (٢).

نعم إن المقصود من أعظم وأجل شهادة في الوجود هو: القيام بمعانيها، وإرادة موجباتها، وتحقيق مقتضياتها، مع حتمية النطق بألفاظها، إلا أن القيام بشروطها، وتحقيق أركانها، لا يقل بحال من الأحوال عن النطق بألفاظها.

فالعبد الذي يعلم معانيها، ويدرك مقتضياتها، إلا أنه يأبى مختاراً التلفظ بها فليس بمسلم باتفاق، وكذلك الذي ينطق بها، دون معرفة موجباتها، أو عدم القيام بأركانها لا يكون مسلماً سواء بسواء. وهذا أمر معلوم بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والميزان.

قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "أما النطق بها - أي الشهادتين - من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فعير


(١) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (٢/ ١٢٠: ١٢١).
(٢) شرح معاني الآثار (٣/ ٢١٥).

<<  <   >  >>