- إعلام الناس بأن الله قد خلق الجنة والنار، وجعل لكل منهم أهلاً وأعمالاً.
فأعمال أهل الجنة تتمثل في: الالتزام بالتوحيد، وفعل الطاعات وفاءاً بالعهود والمواثيق التي كان العباد محلاً لإبرامها. وحجتهم في ذلك تنبثق من: براهين الميثاق، والفطرة، والعقل، والآيات الكونية، والتي جاءت الشرائع لتؤكد صحة دلائلها ومقتضياتها، وتشهد بخروجها جميعاً من مشكاة واحدة.
وأما أعمال أهل النار فتتمثل في: نقض التوحيد بالشرك، تلك الجريمة الكبرى الخارقة لكافة الحجج، وشتى العهود، وسائر المواثيق.
وهذا الطريق المؤدي إلى سخط الرحمن، والخلود في النيران يتميز بالانسلاخ والتعري من كافة الحجج الربانية، وسائر البراهين الإلهية، فرأس مال بضاعته المزجاة: الكذب، والإفك، والبهتان ...
ومن هنا انفتق سر المسألة: فالذي بين صراط أهل الجنة، وسبل أهل النار كالذي ما بين السماء والأرض، والبعد بينهما كبعد المشرقين، لا يلتقيان ولا يتقاربان ما دامت السماوات والأرض.
وبذلك يظهر جلياً: علة عدم مغفرة الشرك إلا بالتوبة والمآب إلى التوحيد والإخلاص من براثن الشرك ومخالب الإلحاد.
فلو لم يكن كذلك لاختلطت أعلام الطريقين، واشتبهت منارات السبيلين، وبطل الفرقان بينهما، وذابت حدودهما، ولزم المساواة بين نهايتهما.
والآن قد آن لنا أن نلجم القلم عن الاسترسال، فقد ظهر الصبح لذي عينين. وعلى الناصح لنفسه أن ينظر الراجح من المرجوح في كل مسألة من المسائل بعد أن يخلع الهوى الذي يعمي ويصم، وألا يعبأ بصوت المهاترات - الفاقدة للحجة والبرهان - وإن علا ضجيجها أياً كان الفم المهاتر بها،