للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا تكون الفطرة حجة مستقلة في بطلان الشرك. فهي أسبق من

كافة الحجج الواهية، وسائر المعاذير الساقطة التي يتشبث بها المشركون.

فالمشركون خرجوا عن: كافة دواعي الهدى، وتردوا في ظلمات الردى، واستبدلوا الحجج الدامغة بالحجج الداحضة، واستغنوا بالشبه الزائفة عن البينات البينة، واشتروا الأدلة المظلمة بالأدلة الساطعة. إلا أن الله لكمال حكمته وعظيم عفوه حكم: بأن لا يعذب أحداً وقع في عبادة غيره حتى تقوم عليه الحجة برسله، وإن كان قد دقام به ما يستحق به العذاب لنقضه: كافة حجج وعهود التوحيد؛ بتلبسه بالشرك، ولمخالفته العلم الضروري البديهي الذي لا تنفك عنه أي نفس، والمستقر في قرار فطر الخلائق، والذي يقضي: بأن الفاطر الخالق لا بد أن يعبد وحده لا شريك له، ويكفر بكل معبود لا يملك لأوليائه ضراً ولا نفعاً، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشوراً.

قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).

قال الإمام البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني: أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"؟

يقول أبو هريرة رضي الله عنه (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) متفق عليه (٢).


(١) سورة الروم، الآيتان: ٣٠ - ٣١.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم: ١٣٥٩، ١٣٥٨. وفي كتاب التفسير برقم: ٤٧٧٥ وأخرجه مسلم في كتاب القدر برقم: ٢٦٥٨ وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (٢/ ٣١٥، ٣٤٦).

<<  <   >  >>