للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الحمد لله. أما قوله - صلى الله عليه وسلم - "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" فالصواب أنها: فطرة الله لتي فطر الناس عليها يوم قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى). وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة. فإن حقيقة "الإسلام" أن يستسلم لله، لا لغيره وهي معنى " لا إله إلا الله" ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل. فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، ولكن سلامة القلب، وقبوله، وإرادته للحق - الذي هو الإسلام - بحيث لو ترك بغير مغير لما كان إلا مسلماً.

وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع هي: فطرة الله التي فطر الناس عليها" (١) أ. هـ.

وذكر الإمام ابن القيم محاورة بين: الإمام محمد بن نصر، وبين الإمام ابن قتيبة في مقتضى آية المياق. قال: "قال محمد بن نصر: واحتج ابن قتيبة بقوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ...) فأجابوا - بكلام - شاهدين مقرين على أنفسهم بأن الله ربهم، ثم ولدوا على ذلك.

قال محمد بن نصر: فقوله "ثم ولدوا على ذلك" زيادة منه ليست في الكتاب، ولا جاءت في شيء من الأخبار.

قلت - أي: ابن القيم - قوله "ثم ولدوا على ذلك" إن أراد به أنهم ولدوا حال سقوطهم وخروجهم من بطون أمهاتهم عالمين: بالله وبتوحيده وأسمائه وصفاته فقد أصاب - أي محمد بن نصر - في الرد عليه.

وإن أراد أنهم: على حكم ذلك الأخذ، وأنهم لو تركوا لما عدلوا عنه إذا عقلوا فهو الصواب الذي لا يرد" (٢) أ. هـ.


(١) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٤٥ - ٢٤٨).
(٢) أحكام أهل الذمة (٢/ ٥٤٣).

<<  <   >  >>