للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سيما الذي استمر عليه إذا كان صدر بيانًا لأمر قرآني أو نبوي، فهو دليل على وجوب هذا الفعل، وهذا النوع من الاستدلال مقرر في علم الأصول معروف عند العلماء الفحول، ومنهم المؤلف نفسه -رحمه الله تعالى-، فقد استدل بهذا الدليل ذاته على وجوب مسألة أُخرى تتعلق ببعض صفات الخطبة لا الخطبة نفسها! فقال بعد أن ذكر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام ... إلخ ما يأتي في آخر المسألة التالية (٥٧):

"وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك، لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

قلت: أفلا يدل هذا الدليل بعينه على وجوب الخطبة نفسها؟ بلى، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى على أولي النهي" (١).

١٧٧ - قال الْمُصَنِّف (٢):

"وهذا النزاع في نفس الوجوب، وأما في كون الخطبة شرطًا للصلاة؛ فعدم وجود دليل يدل عليه لا يخفى على عارف؛ فإن شأن الشرطية أن يؤثر عدمها في عدم المشروط، فهل من دليل يدل على أن عدم الخطبة يؤثر في عدم الصلاة؟ ".

قال الفقير إلى عفو ربه: هذه أحد أكبر عيوب مذهب أهل الظّاهر، فإنّهم أرادوا نبذ التقليد فوقعوا في أمر أعظم منه: وهو إهدار أقوال الصحابة وفهمهم لهذا الدين الذين تلقوه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.

ولذلك تجد أئمة الإسلام الذين عنوا بتحقيق العلم كابن المنذر، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن القيم، وأمثالهم، قد وفقوا لما لم يوفق له أهل الرأي وأهل الطاهر، والله المستعان.


(١) "الأجوبة النافعة" (٥٢).
(٢) (١/ ٣٦٨).

<<  <   >  >>