للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للاشتقاق استدلوا على بطلانه بأن قالوا: إن العرب تتكلم بطباعها ولم تعرف الاشتقاق ولا الإعراب، ولو كان العربي يشتق الكلام ويتعمل الإعراب مستدلاً ومستنبطًا لاحتاج إلى موقف على ذلك، واحتاج الذي قبله إلى آخر إلى ما لا نهاية، وهذا محال فكل واحد منهم إنما يتكلم بطبعه لولا ذلك ما كان حجة يلزم قبول قوله، فهذه حجة من دفع الاشتقاق وأنكره.

والقول في ذلك أنا لا نقول: إن العرب قالت لبعض الكلام هذا مشتق من هذا، وهذا غير مشتق لبعضه كما إنها لم تقل: إن بعض الكلام مستحق للرفع لعلة ما فنحن نرفعه لذلك، وبعضه مستحق للخفض وبعضه للنصب وبعضه للجزم، ولا عرفت هذه الألقاب، ولا ما يجر مما يرفع، ولا سائر تلك الوجوه. ولو قيل لبعض الأعراب الأقحاح: ما حرف الخفض؟ وكم الحروف الناصبة للأفعال والجازمة لها؟ ما دري ماذا يقال له، ولا عن أي شيء يسأل. ولو سئل عن حكمة لتكلم بها مصيبًا فيها جهة إعرابها غير مخطئ.

وكذلك أيضًا لو قيل له: أتقول إن بعض كلامكم مشتق وبعضه غير مشتق؟ لما درى عن أي شيء يسأل. وقد قيل لبعضهم: كيف يقولون: «إنا من المجرمون منتقمين»؟ وغير له الإعراب فقال: كما قلت: «إنا من المجرمين منتقمون». فتكلم بالصواب ولم يقع له أن الملقن له تكلم بالصواب. وسمع آخر رجلاً يقول: «على فلان لعنة الله» بالنصب. فقال: ويحه أما يكفيه واحدة؟ ظن أن القائل ثنى اللعنة فقال: «عليه لعنتا الله» واللفظ بذلك يستوي لهذاب ألفين في وصل الكلام، فهذا غير مدفوع ولا معترض عليه.

ولكنا نقول: إن المتكلمين بهذه اللغة - أعني لغة العرب - على ثلاثة أصناف فصنف منهم يتكلمونها غير عارفين بأوضاعها وأسبابها وحكمتها سوى النطق بها عادة فقط، وآخرون أضافوا إلى النطق بها ومشاركة الأولين في اعتياد النطق بها ضربًا من العلم بها والفحص والكشف عنها، وحفظ غرائبها وشاذها. والدليل على صحة ما قلنا

<<  <   >  >>