المدينة ولا تتلائم مع هندستها المعمارية، وذلك أن ساحة الجزائر لا تقل سعة عن ساحة الفاندوم في باريس ودائرة المدينة لا تزيد عن دائرة حديقة التويلري؛ وعليه فإن هذه المساحة بالنسبة للمدينة كقلنسوة الجندي بالنسبة لرأس طفل يتراوح عمره ما بين ٥ و٦ سنوات.
كان يحيط بالجنرال كلوزيل عدد كاف من اليهود الذين كانوا يوحون إليه بأخلاقهم الخاصة، تلك الأخلاق التي وصفها كما ينبغي فاتل وكروتيوس. ويقول تاسيت في حديثه عنهم: إن اليهود، بسبب تعصبهم، يحملون حقدا شديدا للأمم الأخرى. وكان المرؤوسون، كذلك محاطون بأناس من نفس الجنس يسيرونهم حسب أهوائهم.
وعندما أطلع هؤلاء اليهود على نقطة الضعف عند الجنرال، أي على طمعه في الثروة، جعلوه يلعب أكبر دور مثير للسخرية، فأوهموه بأن المسجد المسمى: جامع السيدة، يحتوي على كنوز الداي. ولذلك صار هذا الجنرال يزور في خشوع، ذلك المكان التعبدي ويقصده مرارا، (للصلاة فيه وللدعاء)، ثم قرر (بكل عفة) أنه يستولي عليه وعلى الزرابي والثريات والمشاعل وعلى منبر رخامي كان هناك.
وهكذا أمر الجنرال كلوزيل بغلق أبواب المسجد، وأدخل إليه، ليلا جماعة من العمال للبحث عن الكنز المزعوم. وظل الأمر كذلك إلى أن استنفذت جميع وسائل البحث وضاع كل أمل. ولتغطية هذه الفضيحة شرع حينا في تهديم ذلك المسجد الذي كان يشمل على أعمدة من الرخام النادر وعلى أبواب ضخمة قيل إنها بيعت فكيف يمكن بيع أشياء هي من ملك المسلمين وحدهم؟