الحرب إلا بين الرجال. وبعد أن أعادهن لرئيسهن ولأبائهن، وجه الحاج أحمد لفرحات رسالة يؤمنه فيها من كل خوف، ويقدم له الأمان، ويدعوه إلى زيارته. بيد أن هذا القائد، الذي أخزته الهزيمة، رفض التنقل شخصيا ولكنه ظل، من ذلك الحين، يراسل باي قسنطينة، فشرح له الأسباب التي أدت إلى الحرب، وبعث له الرسائل التي تكون علاقاته مع الدوق ((دوروفيغو))، وأحاطه علما بجميع الاتصالات التي يقوم بها يهود الجزائر، كما أحاطه علما بالجواب الذي أخص به الدوق والذي يقول فيه أنه لا يستطيع قبول عروضه، وأن شرفه ومركزه الاجتماعي بين الرؤساء الآخرين، يفرضان عليه عدم مساعدة أي كان ضد وطنه، وبالتالي فإنه ليس من طبعه أن يخون مواطنيه وبلاده.
وقد أطلعني الحاج أحمد على أسرار كل هذه المراسلات، وبهذا الصدد قال لي: كيف أن الفرنسيين الذين اشتهروا بالفكر الثاقب وبحدة الذكاء يظهرون العكس في مثل هذه الظروف؟ كيف يثقون ثقة عمياء في يهود مناورين، وفي ذلك المدعو ابن قارة علي الذي عين خليفة في المنطقة الشرقية والذي لم يتمكن من شغل هذا المنصب أكثر من ثلاثة أيام؟ ان هذا السلوك قدبين للعرب أن الفرنسيين يثقون بأناس لا أهلية لهم ولا كفاءة، وينقص من قيمتهم في نظر هؤلاء العرب أنفسهم وفي نظر سكان الصحراء. وزيادة على ذلك، فإن هؤلاء السكان بعيدون بطبعهم عن جميع الأوربيين ودلك بسبب الاختلاف الموجود في اللغة، واللباس، والطبائع، ثم إن أفكارهم التعصبية تعد من أهم الحواجز التي تمنع كل تقارب ولذلك، كما قال الحاج أحمد، فإنه ليس للفرنسيين أن يأملوا في أن يساعدهم هؤلاء الأهالي على أن يصبحوا سادة عليهم وعلى البلاد. وعلاوة على ذلك، أضاف الحاج أحمد، فإن إدارة