ويتسم الآتراك بالقناعة والشرف والكرم. وبمجرد ما يحصل أحدهم على بغض المال يسافر إلى تركيا مسقط رأسه (٢)، فيأخذ معه ألبسة فاخرة ليظهر في مظهر الرخاء والترف أمام بني وطنه وليعجبهم، إذ ربما هو ابن لأحد العمال أو المزارعين. وعندما يعود إلى الجزائر حيث عائلته، يصطحب معه جماعة من سكان بلاده يقدمهم إلى الدفتر، وتحت ضمانة يقبلون في صفوف الميليشيا ثم يتولى بنفسه تدريبهم على الجندية وتعليمهم واجباتهم الجديدة. ويخبرهم بأن في استطاعتهم الارتقاء، يوما، إلى أعلى مرتبة، وفي إمكانهم، على غراره وبعد أتعاب الحرب، أن يتمتعوا براحة طيبة، ويعيشوا في هناء ورخاء في أوساط المجتمع، وأن يتزوجوا بدورهم من الأهالي.
ومن النادر أن تجد سارقا أو قاتلا من بين هؤلاء الجنود. وقد كانوا شديدي الحرص على احترام عادات البلاد ليحببوا أنفسهم إلى سكان الإيالة.
ومن كانت لهم بعض المساوئ، كانوا يعملون على إصلاحها أو يخفونها بدقة للأسباب التي ذكرنها ولأن مستقبلهم موقوف على حسن سيرتهم.
وبعد المشاركة في إحدى الحملات، يستطيع الجندي التركي أن ينخرط في صفوف البحرية تدفعه إلى ذلك مصلحته الشخصية وتساعده تربيته والصدف في بعض الأحيان. وتشتمل هذه المهنة على إمكانيات كبيرة للهلاك ولاكتساب الثروات. فبعض البحارة يموتون أو يستعبدون، وبعضهم يحصلون على الثروة والرتب. وفي الفصل الخاص بالفن العسكري سأذكر الدرجات التي يمكن لهم أن يبلغواها.
(٢) لم تكن تركيا هي مسقط رأس جميع الانكشاريين، وإنما استعمل حمدان ذلك تجاوزا فقط.