للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إليك عني فإني قد عزمت ديني وإنما يخاصمك الشاك في دينه) (١).

إنه تفسير عميق لحقيقة كثير من المبتلين بالشبهات؛ فضعف يقينهم بأصولهم وثوابتهم هو الذي دفعهم للبحث يمنة ويسرة عن الأجوبة التي تمسك اليقين في قلوبهم، فكانوا مندفعين للاطلاع على الأفكار والرؤى الأخرى لعل الانسان يجد فيها ما هو خير مما لديه، ويبقى الانسان بهذا في حال شكٍّ دائم وحَيرة مستمرَّة؛ فكلُّ شيء قابل لأن يوجد ما هو خير منه، وهذا ما يجعل ثَمّ ترابطًا وثيقًا بين (تتبُّع الخصومات) وبين (التحول والانقلاب) وهو ما نبَّه عليه السلف قديمًا، قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التحول (٢).

وقال عمرو بن قيس: قلت للحكم بن عتبية: ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟ قال: الخصومات (٣).

ثالثًا: لأنهم كانوا مدركين لحقيقة الشبهات، فهي ليست مجرد معلومات يطلع عليها الانسان ثم يقبلها إن شاء ويتركها إن شاء، بل قد تَعْلَق بقلب الانسان وهو كاره لها فتؤدي إلى هلاكه؛ فعن مجاهد قيل لابن عمر: إن نجدة يقول كذا وكذا فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه منه شيء (٤).

ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا يا أبا بكر نحدثك بحديث؛ فقال لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب اللَّه؟ قال: تقومان عني أو قمت؟


(١) المصدر السابق: ١/ ١٤٤.
(٢) المصدر السابق: ١/ ١٤٤.
(٣) المصدر السابق: ١/ ١٤٥.
(٤) المصدر السابق: ١/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>