المثير للانتباه: أن ظاهرة الأسلمة شملت حتى الفكرة العَلمانية ذاتها؛ فالفكر العلماني الذي نشأ منابذًا للخيار الإسلامي -تحديدًا- ما دار عليه الزمان حتى صار العلمانيون يقدِّمون أنفسهم مجتهدين في فهم النص الشرعي ومستمسكين بتفسير من تفسيراته ومعتمدين على أقوال المذاهب وفتاوى العلماء. ومعتضدين بمقاصد الشاطبي ومصلحة الطوفي والتصرفات عند القرافي وظاهرية ابن حزم واجتهادات عمر بن الخطاب. . .!
يعني هذا: أن جمال هذه الأسلمة يجب أن لا يخدع العين عن إبصار أشكال التحريف التي تأتي على الأحكام الشرعية في ثناياها، بغضِّ النظر عن الدوافع النبيلة التي قد تحركها.
أسلمة العلمانية تأتي على مستويين:
مستوى العلمانية المتطرفة: التي تحتفظ بموقف عدائي تجاه الدين وتشمئزُّ من كافة مظاهر للتدين، فهذه علمانية مكشوفة وغير جذابة، ومحاولة أسلمتها بجعلها غير معادية للإسلام عملية استهلاك رخيصة لا تتجاوز في تأثيرها حدود مساحة التصوير التي تتحرك فيها.
مستوى العلمانية الأقل تطرُّفًا: وهي التي تتفهَّم وجود الدين، وتؤمن بضرورة مراعاته مكونًا للمجتمع في ما دون مستوى القانون والإلزام، فهو موجود كخيار شخصي وقيم محفزة نحو العمل والتنمية لكنه مقصى تمامًا عن التأثير على القوانين أو الحريات أو تقديم أي تفسير لها.
هذه الدرجة العَلمانية هي المفهوم الخطر الذي تسرَّبت مفاهيمه لدى بعض