الناس فيه بحاجة إلى التعبد بطريقة معينة (١)، فحقيقة هذا القول أنه جعل جزءًا من النص الشرعي في الموضوعات السياسية نصًا تاريخيًا مختصًا بالبيئة والزمان الذي نزل فيه، وهو خلل يحدث هزة في أصل منهجية التعامل مع النص الشرعي.
هذا التفسير يتصوَّر أن الدين كان هو رابطة المسلمين في ذلك الزمن مصادفة وتوافقًا مع الظرف التاريخي ليس إلا، فهو في الحقيقة -وإن لم يُرِد- ينطق بالمفهوم العلماني في جعل الدين علاقة فردية لا تتصل بالسلطة، فحين ارتبطت فإنما كان لظرف زمني معيَّن.
لازم هذا الكلام: أن أحكام الشريعة المتعلقة بالكفار والجهاد والحريات ونحو هذه المعاني الدينية المحضة كانت استثناء فرضتها ظروف ذلك الزمان، فهذا يستبطن انتقاصًا لها حيث لم يكن التزام المسلمين لها في زمن مضى راجع لكمالها وشرفها وإنما لحال زمانهم فقط، وهي تنظر للإسلام بالعين العلمانية التي لا تفقه من مصالحها إلا ما كان متعلقًا بمعيشتها الدنيوية {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم: ٧] وتنسى في غمرة انبهارها بالنموذج السياسي المادي أن المصالح الدينية هي الأصل والغاية في رسالة الإسلام تحقيقًا لغاية اللَّه في الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] فمصلحة الدين هي الأصل في الرسالة وليست استثناء عارضًا جاء لظروف الزمان.
التصور الثالث: أن الإسلام ليس فيه إلزام وإكراه وإجبار؛ وإنما هو اختيار ورغبة، فهو دين دعوة لا قضاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس إلا نصح وتذكير وليس فيه منع أو إلزام، وتسير معهم في هذا المضمار حتى تصل