للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإياهم إلى أنه لا وجود لإلزام أو منع منطلق من رؤية دينية، فيتم تخفيض الحكم الإسلامي من خاصية القانون والنظام إلى مستوى النصح والتذكير والدعوة، وهو مستوى يروق جدًا للنخب العلمانية لكنه منابذ لشريعة من يقول "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده. . . " (١) فجعل أول درجات التعامل مع المنكرات هو التغيير بالقوة، وليس ثَم إشكال في تقييد استعمال القوة لتكون بيد السلطة أو يكون ثَم ضوابط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن هذا كلُّه إن أدى إلى إزالة خاصية المنع والإلزام في النظام السياسي فهو في الحقيقة قماش أسلمة يستر المحفور من العلمانية.

التصور الرابع: لا يشك بوجود أحكام متعلقة بالنظام السياسي غير أن كونها محرمة أو واجبة لا يجعلها قيد التنفيذ إلا بعد أن يقرَّها الناس ويختاروها. أما قبل اختيار الناس فلا يتم فرض أي حكم مهما كان؛ ليس لأنه غير شرعي، بل لأن الفرض السياسي يحتاج هو إلى مشروعية أخرى وهي -تحديدًا- لا تكون مستمدة إلا من الناس.

هذا التصور يقوم على اعتبار أن ثَمَّ مشروعيتين: مشروعية دينية يكون النص هو الذي يفسرها، ومشروعية سياسية تأتي وتُستَمَد من الناس، وهذه فلسفة منبثقة من الوعي العلماني الذي يعزل الدين عن الحكم السياسي فيجعل مشروعيته منفكة عن المشروعية السياسية، وأما في التصور الإسلامي فليس ثَمَّ مشروعيتان؛ إنما هما مشروعية واحدة، فما حرَّمه اللَّه فهو حرام على الفرد والمجتمع، وما أوجبه اللَّه فهو واجب على الفرد والمجتمع، فدور الناس هو تنفيذ الأحكام الشرعية لا


(١) أخرجه مسلم: ١/ ٦٩ برقم ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>