التسليم للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس شأنًا معرفيًا محضًا يحسبه الشخص بدقة كما يحسب المسائل الرياضية، بل هو إيمان وطاعة وانقياد وخضوع لأمر اللَّه، فكلما ازداد إيمان المرء وعظم الشرع في قلبه كان أكثر التزامًا وتطبيقًا لهذه القاعدة، وحينها فإن ثَم عواملَ كثيرة تأتي على هذا المعيار فتضغط عليه وتضعفه حتى تكسره، فيضعف أثر هذه القاعدة عمليًا وإن كانت ما تزال ثابتة في المقياس النظري.
وهذه العوامل كثيرة، اكتفي منها بعاملين، وسأحصره في الأحكام الشرعية السياسية:
كاسر النسبية:
حين تقول: إن من بدهيات المفاهيم الشرعية الأصيلة التي من أجلها قامت الحركات الإسلامية هو إعادة الحكم للإسلام وشريعته، الحكم الشامل المحقق لسعادة الناس وصلاح دينهم ودنياهم، يأتيك الاعتراض المشهور: الشريعة على فهم من؟
وحين تقول: الحقوق والحريات والمصالح كلها مفاهيم رائعة ننطلق فيها من قيمنا وأصولنا الشرعية، فهذه كليات عامة تملؤها كل ثقافة بحسب قيمها ومعاييرها، يلاحقك ذات الاعتراض: الحقوق والحريات الشرعية فَهْم من؟
وحين يغار المصلحون على أحكام الشريعة فيرفضون أي تعدٍّ عليها أو ردٍّ لأحكامها يأتيك ذات الاعتراض: هذا التعدي على الشريعة بمفهوم من؟