للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها حتى تكون ملزِمة، فهو يقلب معادلة الشريعة؛ لأن اللَّه -تعالى- يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] وهو يريد رد كلام اللَّه وكلام رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى كلام الناس؛ فكأن أحكام الشريعة لا تكون ملزمة للمسلم إلا إذا أجمع عليها العلماء وهذا معنى ساقط متفَق على فساده (١).

واشتراط الاجماع لجعل الأحكام الشرعية ملزمة كلام سجالي يأتي به البعض للجدال لا غير، وإلا فلا أحد يطرد هذا الكلام فيقول على الحقيقة إنه لا يعتقد بشيء إلا بعد الإجماع، ولهذا كان ابن حزم دقيقًا حين قال عنه أنه (مذهب لم يخلق له معتقد قط، وهو ألا يقول القائل بنصّ حتى يوافقه الإِجماع) (٢).

وهذا الذي يقتصر على الإجماع دون المختلف فيها، لا بدّ أن يرجع فيفسد حتى القضايا القطعية؛ فإنه (لا بد أن يخالف الكتاب والسنة -حتمًا- في كثير من القضايا، هذا في المخالفة القطعية، فأما الظنية فحدِّث عن كثرتها ولا حرج) (٣).

الخلاصة إذن: أن أمامنا طريقين للتعامل مع هذا المصطلح:

الطريق الأول: تفسير الثوابت بأنها هي القطعيات والمتغيرات هي الظنيات، فيجب على من يسلك هذا الطريق أن يكون منهجه قائمًا على عدم ترتيب أحكام على هذا الاصطلاح؛ وإنما يقال: إن هذا ثابت وهذا متغير لبيان درجة الحكم وليس لجعل أحدهما ملزمًا والآخر غير ملزم.


(١) سبق ذكر عدد من أقوال العلماء في فساد هذا التصور. انظر: بحث الانقياد المشروط من هذا الكتاب ص ١٠ - ١١.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: ٣/ ٤٨١.
(٣) الأنوار الكاشفة، ص ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>