نظر المسلم ليس إلى الشريعة بل إلى التخلُّص من قيودها، حتى ولو كانت في مسائل خلافية فالخلاف لا يلغي ضرورة اتباع الشرع.
الفائدة الثانية: أن نحاكم آراء هذا القائل إلى منهجه؛ فما دام أنه اختار منهجًا معينًا فيجب أن تكون آراؤه منطلقة منه، فلا بد أن تكون هذه الآراء مبنية على منهج صحيح وليست آراءً مشتتة مقطَّعة لا يجمعها أي جامع؛ وإنما يختار لاعتبارات غير شرعية ثم يظن أنها شرعية!
وثَمَّ فائدة أخرى تزيد على هاتين الفائدتين: هي أن يحفظ الإنسان أصوله القطعية وأحكامه المجمَع عليها؛ فالتهاون مع الظنيات سيضعف الثقة في القطعيات تدريجيًا؛ لأن الشخص حين يرتفع صوته دائمًا بـ (فيه خلاف)، فإن هذا الصوت لن ينقطع حين لا يكون في المسألة (خلافًا)، بل سيتردد الصوت ذاته في المسائل القطعية والمجمع عليها في ما بعد، ولن يبالي بذلك حينها لأنه عوَّد نفسه أن لا يلتفت إلى الأحكام الشرعية ما دام فيها خلاف، وحدود الخلاف ليست معلومة له دائمًا، فحين يعتاد أن لا ينظر في الشريعة إلا في ما بعد فإنها ستكون ثقيلة ومزعجة وسيجد أي تأويل لها مخرجًا مريحًا ومقبولًا؛ ولهذا -ومن واقع ملاحظة شخصية- وجدت أن كثيرًا ممن يقول:(فيه خلاف) وهذه مساحة (ظنية)، هو ذاته حين تأتي القضايا القطعية يقول لك:(كيف عرفت أنها قطعية؟) و (كلُّ يظن أن رأيه قطعي!) فيتهاون في المساحة الظنيه لأنه مستمسك بالقضايا القطعية، ثم صار يشك -أصلًا- في وجود القضايا القطعية التي هو مستمسك بها!
يأتي بعضهم فيقول: من الضروري مراعاة المتغيرات التي تؤثر في الأحكام الشرعية فليس كل ما كان في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يكون ملزمًا لنا الآن لتغيُّر الحال.