للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مدخل التحريف المعاصر]

حين تكون مهمومًا بـ (كيفية الإقناع) في الوقت الذي لم تحرر فيه الحكم جيدًا، فإن الحكم حينها لن يكون تبعًا للدلائل والبراهين، بل سيكون متأثرًا بكيفية الإقناع، فيميل الشخص في اختياره إلى ما هو أسهل وأيسر في إقناع الناس وليس إلى ما هو أقرب إلى مقصود الشارع.

يأتي هنا سؤال مشروع يعترض قائلًا:

إن الحكم الشرعي لا يمكن أن يخالف العقل والمنطق الصحيح، فلو كان حكمًا شرعيًا حقًا لكان مقنعًا وعقلانيًا، ومجيء الحكم على غير ذلك دليل على وجود خلل.

هذا السؤال يستحضر أن (اقتناع الناس) هو مساوٍ للعقل والمنطق، فما أقنعهم فهو دليل عقلي تام، وما لم يقنعهم فهو باطل، فيجعل وسيلة إقناع الناس هي من قبيل الأدلة العقلية التي لا تخالفها الشريعة، وهذا التصور فيه فجوات هائلة في فهم الدليل العقلي يتضح ذلك بسرد هذه المعاني المهمة:

أولًا:

أن إقناع الناس يتطلب مهارات ذاتية وقدرات فكرية تستطيع من خلالها إيصال الفكرة بوضوح وجلاء، وهذا أمر لا يتهيأ لكل أحد، فليس كل من يعرف الأحكام الشرعية متمكنًا من هذه المهارات ليستطيع إقناع الناس بجميع هذه الأحكام، فعدم القدرة على الإقناع يرجع في حالاتٍ كثيرة إلى نقصٍ في الأدوات وليس إلى خلل في الحكم.

كما أن كثيرًا من الأحكام تتطلب علومًا إضافية يتمكن المسلم من خلالها من إقامة البراهين على مصلحة الحكم وفائدته، فمثلًا يستطيع عامة الناس بيان حكمة

<<  <  ج: ص:  >  >>