للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان القلق ناتجًا من هبوب موجة استنكارات عنيفة من المثقفين الغربيين على المعجزات التي لم يتقبلها العقل الغربي، فهي لديهم أقرب لفكر الخرافات والأساطير التي تجاوزها الزمان، فما عادت مستساغة في زمن تأليه العقل، وتقديس الفكر المادي التجريبي، غدت معه المعجزات مادة تندُّر واستهجان من رجالات الغرب، وكنز أسئلة يلاحقون بها من يلتقون به من العلماء والمثقفين المسلمين.

هذا المزاج الغربي صاحبه حالة إلحاد وجحود عن الدين لدى أوساط كثير من المثقفين المسلمين، بما عزز في وعي كثير من المؤلفين ضرورة تقديم خطاب عقلاني مناسب يحفظون به الدين الإسلامي من سياط النقد الغربي، ويحمون شباب الإسلام من التفلت عن الدين، فكان لا بدَّ من إعادة قراءة التراث الإسلامي؛ لتخليصه من قصص المعجزات التي غدت معيبة في تلك اللحظة.

كتب حينها محمد حسين هيكل كتابه الشهير (حياة محمد) جرَّد فيه سيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من كافة الآثار والسنن الواردة في معجزاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجعل معجزته الوحيدة هي القرآن الكريم فقط، وقد قدَّم له أحد العلماء المشهورين ووافقه فيما ذهب إليه.

وأما الروايات الصحيحة فلا اعتبار لها لأن (مضرة الروايات التي لا يقرُّها العقل والعلم قد أصبحت واضحة ملموسة) (١). فضرورة الواقع تفرض تجاوز مثل هذه الأخبار (ولو أنهم -أي رواة الحديث- عاشوا إلى زماننا هذا ورأوا كيف اتخذ خصوم الإسلام ما ذكروه منها حُجَّة على الإسلام وأهله لالتزموا ما جاء به القرآن الكريم) (٢).


(١) حياة محمد، ٥٤.
(٢) حياة محمد، ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>