للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان المزاج العصري الرافض لقضية المعجزات حاضرًا حتى في تفسير آيات القرآن الكريم، فالآيات التي تتضمن معجزات سابقة يتم التعامل معها بطريقة تزيل عنها وصف الإعجاز حتى تكون حكمًا معتادًا على وفق سنن الطبيعة، كمثل تفسير هلاك الفيل بالطير الأبابيل الوارد في كتاب اللَّه {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)} [الفيل: ٣ - ٥] بأنها جراثيم الطاعون إذ لا مانع من تسميتها طيورًا، أو أنهم قد أصيبوا بمرض الجدري أو الحصبة حتى ماتوا، فالطير الأبابيل إنما هو بعوض أو ذباب ناقل للأمراض (١).

وحتى ما لم يصبه التحريف من المعجزات السابقة، فلم يسلم من حال التهوين منها كتفسير المعجزات السابقة بأنها أدلة مناسبة لضعفاء العقول؛ فكانت المعجزات (لجذب قلوب أقوامهم الذين لم ترتق عقولهم إلى فهم البرهان) (٢).

وعلى نفس المنوال جرى الكلام على بقية المعجزات الواردة في القرآن الكريم، وتبع ذلك تأويل عدد من المغيبات التي لا يتقبلها المزاج المادي الغربي كتأويل الملائكة بأنها قوى وأرواح مودعة في الكائنات الحية وهي قوى الطبيعة، وتأويل الشيطان بأنه ما يدفع إلى الشر، ومن النتيجة البدهية بعدها أن يتم تأويل وإنكار أخبار الدجال والسحر ونزول عيسى وأشراط الساعة وغيرها (٣).

هذه الحال آلمت عددًا من العلماء الذين شعروا أنها حال عبث وتحريف لأحكام الإسلام، وجزموا بأنها ثمرة انهزام أمام مدَّ الثقافة الغربية، فكتب في تلك الحقبة


(١) انظر بعض هذه الأقوال في منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للدكتور فهد الرومي، ٧٢٤ - ٧٢٢.
(٢) تفسير المنار، ١/ ٣١٥.
(٣) انظر عددًا من هذه التأويلات في: التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان أمامة، ٣٩٤ - ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>