للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بكل قوة وثبات شيخ الإسلام مصطفى صبري موسوعته الشهيرة (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) ومن الملفت للنظر أن أغلب مباحث هذا الكتاب كانت في مناقشة قضايا الغيب والمعجزة بما يكشف عن حجم القلق الذي تثيره هذه القضية في تلك المرحلة.

لم تكن الحركة النشطة آنذاك لتأويل المعجزات نابعة من رفضٍ للشريعة أو انتقاص من مكانتها؛ بل ظاهر جدًا أن الحفاظ على الإسلام والدفاع عن حرماته، والخوف عليه وضرورة تقديم صورة حسنة إلى الغرب هو الهاجس العميق الذي كان يسكن قلوب كثيرٍ ممَّن تأثر بهذه الموجة، فهم يشعرون كما يقول السيد رشيد رضا: "إن المعجزات هي من منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر" (١).

وكانت قلوبهم معلقة بهداية الغربيين، ولو وصل ذلك إلى تجاوز خطير بلغ حدَّ القول: "إنه لولا حكاية القرآن الكريم لآيات اللَّه التي أيدَ بها موسى وعيسى -عليهما السلام- لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه أكثر واهتداؤوهم به أعمُّ وأسرع) (٢).

طبعًا هذا لا ينفي خضوع العقل لسطوة المفاهيم الغربية لحد القول (ممَّا يدلُّ على أن هذه القرون الأخيرة لا تروج فيها مسائل المعجزات تكذيب علماء أوروبا بكل المعجزات السابقة وهو وإن كان تهورًا منهم إلا أنهم مصيبون في قولهم إننا في زمان لا يجدي فيه للاعتقاد إلا النور العقلي والدليل العلمي) (٣).

ومضت تلك الحقبة، ورصد التاريخ مقولاتها وإشكالاتها التي تكشف عن طبيعة المؤثرات التي كانت توجه الفكر الإسلامي.


(١) تفسير المنار، ١١/ ١٥٥.
(٢) تفسير المنار، ١١/ ١٥٩.
(٣) الإسلام والمدنية لفريد وجدي، ٧١ - ٧٢ نقلًا عن منهج المدرسة العقلية الحديثة، ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>