إن ثم عوارض كثيرة تصرف المسلم عن إصابة الحق، ومن المهم أن يجتهد كل مسلم في محاولة التخلص من كافة دوافعها قدر المستطاع، ومنها العوارض المتعلقة بالواقع الذي لا يتقبل بعض الأحكام الشرعية، فمثل هذا الواقع يدفع المسلم لئن يتخففَ من بعض الصرامة العلمية الواجبة، وهو من جنس الهوى الذي نهت الشريعة عنه قال -تعالى-: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]{فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦].
إن الدفاع عن الإسلام، وضرورة تقديم صورة حسنة له، وضرورة حماية الشباب من الانحراف هي مقاصد نبيلة وغايات شريفة؛ لكنها لا تبرر التهاون في تحريف أي حكم شرعي، كما أن التحرز من ضغط اللحظة الراهنة لا يعني إهمال الاجتهاد المبني على المنهج الفقهي في الوقائع المتجددة للنظر في متغيراتها وأوصافها المؤثرة، وما يطرأ عليها من ضرورة أو حاجة، فهذا اجتهاد في الواقع وليس خضوعًا لضغط لحظة راهنة.
ضغط اللحظة الراهنة موجود في كل زمان ومكان، وهو دافع عميق لتجاوز عدد من الأحكام الشرعية التي لا تنسجم مع اللحظة الراهنة، ليس لأن الدليل لا يدل عليها، ولا لأن العقل لا ينصرها؛ بل لأن المزاج العام لا يجعل لدلائلها ذاك الوهج المقبول، فيجد المسلم ضغطًا عميقًا في نفسه، يجعله يتخفف من الصرامة العلمية ومنهجية التحري والتدقيق المطلوبة، فإنْ كانت لمن قبلنا لحظات مع المعجزات والاشتراكية والقومية، فإن لحظتنا الراهنة قد اندفعت نحو مفاهيم أخر، ما زالت تمارس عبثها في عقول كثير من المسلمين، فأعملوا عقولهم في أحكام الإسلام تلفيقًا وتأويلًا وتغييرًا برؤية غير علمية، ولا منسجمة مع الأصول والقواعد الشرعية، وهي مرحلة زمنية لا بدَّ أن تنتهي فيتضح من كان سائرًا مع النص وبراهينه ودلائله ممَّن وقع تحت أسر ضغط لحظةٍ راهنةٍ قد انتهت!