للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل الدين عن الدولة بمعنى عزل الأحكام الشرعية أن تكون مؤثرة في نظامٍ عام ملزم للناس، وحين تكون الأحكام الشرعية شأنًا خاصًّا يُحمَد فاعله ولا يتعرَّض لتاركه وليس لها تعلُّق بنظام أو سلطة فنحن بهذا في وسط باحة العلمانية.

إن إسقاط (الإِلزام) و (المنع) من الأحكام الشرعية هو من مفاصل النزاع مع الفكر العلماني؛ فالفلسفة العلمانية لا تمانع من حضور الطاعات وترك المنهيات لاعتبارات دينية لدى الناس، بل إنها قد تحمي ذلك وتحرسه، ما دام شأنًا خاصًّا لا يؤثر على الآخرين ولا يترتب عليه منع أو فرض لهذه الأحكام وإعلاء لها إلى مقام التقنين والإلزام، ومثل هذا سيؤدي إلى تعطيل الأحكام الشرعية عن القيادة والحكم وإن كانت حاضرة في الوجود لمن أحب.

إن الأوامر والنواهي الشرعية في كتاب اللَّه وسنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- متجهة إلى الفرد والمجتمع، ومتعلقة بخاصّة المسلم وبنظامه الذي يحكمه؛ فالمسلم حين يقرأ قوله -تعالي-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣]، وقوله -سبحانه-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١]، وقوله -سبحانه-: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢]، فإن هذا الخطاب متجه للفرد بأن يمتثل أوامر ربه ويتجنَّب نواهيه، ومتجه أيضًا للمجتمع ليحكم بما يريد رب العالمين منه، ولم يكن أحد من السابقين يظن أن هذا الخطاب متجه للفرد، وأما الجماعة فشيء آخر، فالتفكير بهذه الطريقة إنما هو من رواسب التأثير العلماني المكثف في عقول الناس؛ حيث أحدث لكثيرٍ منهم حمل أوامر الشريعة ونواهيها على الشأن الخاص للفرد فقط دون النظام والمجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>