والعدل وحفظ المكانة، وبما لا يكون ذريعة للاستطالة أو فساد الفهم وسوء الظن.
فأحداث الفتنة ليست شيئًا مغلقًا أو محذوفًا من تاريخ الإسلام، فلقد تكلم فيه العلماء وبحثوا تفاصيله، وأجابوا عن الإشكالات المثارة، وهذا يبدد الوهم الذي يجثم فوق صدور بعض الناس حول هذا الموقف السلفي من الصحابة، هو وهمٌ مركب يجهل حقيقة موقف السلف، ولا يفقه -في جزئه الآخر- حقيقة الدوافع والاعتبارات العقلية العميقة في هذا الموقف، ويمكن أن نستلهم بعض هذه الاعتبارات في العناصر التالية:
أولًا: احتواء كتب التاريخ لخريطة واسعة من الأخبار والأقوال والتفصيلات التي رسمها إخباريون كذبة وخصوم مبتدعة، وأكثر من يخوض فيما شجر بين الصحابة لا يسلم من قبول كثير من هذه الأخبار وروايتها والبناء على مضامينها، وأكثرهم -بداهة- ليس لديهم القدرة على فحص الأخبار وتمييز صحيحها من سقيمها، بما يجعل صورة الأحداث تترسخ في وعيهم بنسختها المكذوبة التي رسمها خصوم الصحابة.
ما يزال كثير من الباحثين يعتمد على هذه الأخبار، وينقل عن الضعفاء والمتروكين والوضاعين، ثم يتحدث بكل ثقة أنه يعتمد على مصادر تاريخية موثوقة، بمجرد أنه ينقل من أحد كتب التاريخ الشهيرة!
لقد بحّت أصوات العلماء والمحققين وهم يحذرون مثلًا من (أبي مخنف لوط بن يحيى) ويذكرون أنه إخباري تالف متروك الرواية، حتى غدا هذا من المعلومات الشائعة، ومع ذلك فما زال كثير من المؤلفين يبني قائمة طويلة من الأحكام والتحليلات بناء على رواية محفور في أولها: قال أبو مخنف!.
ثانيًا: إن الخوض في تلك التفصيلات والأخبار لا يترتب عليه أي فائدة عملية