للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ثمرة فقهية، فهي حوادث تاريخية وقعت تحت ظروف وملابسات معينة أنتجت فتنة بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا فيها مجتهدين ومتأولين، ولا يترتب على إدراك تفاصيلها علم مستقل بأحكام شرعية أو تأثير على جانب فقهي أو علمي معين، فمن يجهل خفاياها ولا يدرك تفصيلاتها لن يمس ذلك بتاتًا أي قضية شرعية، وهذا يبدد الوهم الذي يسكن بعض الناس حين يظن أنه أمام حقبة تاريخية مخفية، وواقعة لا بدّ من إعادة قراءتها، ويشعر أنه يكتشف من خلالها مواقف شرعية مهمة، والحقيقة أن أحكام الشرع وتصورات المسلم لن تتأثر بمعرفته لهذه التفصيلات أو إعراضه عنها، ولهذا كانت وصية السلف في الكف عمَّا شجر بينهم لأنه من قبيل فضول البحث الذي لا طائل من ورائه.

ولهذا قال الإمام أحمد لمن سأله عن القراءة في الكتب التي فيها ذكر ما شجر من الصحابة: لا تنظر فيها، وأي شيء في تلك من العلم؟ عليكم بالسنن الفقه وما ينفعكم (١). وقال عنها: هذه الأحاديث تورث الغل في القلب (٢).

ثالثًا: إن الحكم على الصحابة يتطلب عدلًا وإنصافًا وموازنة بين الحسنات والسيئات، وألا يكون أي اجتهاد أو خطأ سببًا لإلغاء ما عداه، وهذا ميزان دقيق لا يحسن أكثر الناس ضبط ميزانه، فينتج من ذلك استطالة عليهم، وبغيًا في حقهم، وإذا كان البغي والجور محرم في حق أي أحد من الناس فكيف بصحابة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟

الحديث هنا عن جيل قد أثنى عليه القرآن الكريم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [التوبة: ١٠٠] {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ


(١) انظر: السنة للخلال ١/ ٣٩٨.
(٢) انظر: السنة للخلال ١/ ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>