للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] ووعدهم جميعًا -سابقهم ولاحقهم- بالحسنى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: ١٠] وأوصانا رسولنا الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم- بهم فقال: "لا تسبوا أصحابي" (١).

فمن العقل والحكمة والديانة أن يتحفظ المسلم عند نظره في مواقف هؤلاء الناس الذين يتحدث القرآن الكريم عنهم بهذه الكيفية، وأن يعلي من قدرهم كما أعلى اللَّه من مكانتهم، فيتولاهم جميعًا، ويدعو لهم جميعًا، ويرجو أن يحشره اللَّه في زمرتهم، ويتحفظ من ولوج بابٍ يكون ذريعة إلى أي إساءة لمن عظَّم اللَّه حقهم.

إن غياب العدل في حقهم، والعلم بحالهم، والإنصاف في تقويمهم هو الذي جرَّأ كثيرًا من المبتدعة على الخوض في أعراضهم، والنيل من مقامهم بما أنتج غلًا وكرهًا دفينًا في نفوسهم في حق صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي صفة خليق بها الكفار لا أهل الإيمان {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: ٢٩].

رابعًا: حاجة هذه الأحداث للرؤية الشمولية التي تعرف دوافعها، وتضبط أحداثها، وهي غالبًا ما تخفى على أكثر الناس، فيقرأ الأحداث منتزعة من سياقها، مقطوعة عن دوافعها بما يجعله يفهم الموقف على غير ما كان عليه، فيقع في قلبه شيء على صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

(إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغيَّر من وجهه، والصحيح فيه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة


(١) أخرجه البخاري برقم ٣٦٧٣، ومسلم برقم ٢٥٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>