للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدر من الصحابة حتى يقال: إنه تقديس للأشخاص وقد يضر بتقديس المبادئ، فالمبادئ واضحة ولم يقل أحد بتقديم أي شيء عليها، إنما الحديث عن تقدير الشخص وحفظ سابقته ومقامه وترك الإساءة والطعن فيه، وهذا لا يضر المبادئ في شيء، فليس من ضرورة حفظ المبادئ أن تطعن في الأشخاص أو تسبهم أو تخوض في نياتهم أو تثير الطعن فيهم بمناسبة أو بغير مناسبة.

ومن الأوهام المجرئة هنا على صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- القول: إن الصحابة ليسوا بمنزلة واحدة، وإنه لا يمكن مساواة بعض من أسلم بعد الفتح بأبي بكر وعمر؟ وهذا كلام صحيح، وهو ما يقوله أهل السنة (١) فالصحابة درجات، وبعضهم أفضل من بعض، والتفضيل ليس فيه إساءة لأحد، إنما لا يجوز أن يكون هذا التفضيل سببًا للجرأة على أحد منهم وتهوين ذمه والطعن فيه.

سادسًا: إن من يقرأ حادثة الفتنة بشكل متكامل، ولديه قدرة على تمييز الأخبار الصحيحة والسقيمة، فإنه في النهاية سيصل إلى ما وصل إليه السلف الصالح -رضي اللَّه عنهم- من توقير الصحابة وحبهم وتقدير إيمانهم وتضحيتهم في سبيل اللَّه، وأن هذه الفتنة تقدير رباني؛ ليعرف المسلم عظمة هذا الجيل حتى وهو في حال الفتنة، ويعرف الأحكام الشرعية الواجبة في مثل هذه الفتنة، والأخلاق الإسلامية الرفيعة حتى في أشد حالات الفتنة والقتال.

فوصية علماء السلف بالكف عن هذه الأحداث لم يكن جهلًا منهم بحالها، ولا خشية من ظهور حقائقها، بل هم من أعلم الناس بها، قد فحصوا رواياتها، وحرروا أحكامها، وضبطوا أحوالها، فعرفوا أنها موصلة إلى حب الصحابة واعتقاد فضلهم، ورأوا أن الخوض فيها لا ثمرة عملية فيه وقد يكون ذريعة


(١) انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية، ١١٥ - ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>