للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنزيه الدين عن السياسة حتى لا يفقد روحه لكونه مطلق وهي نسبية متغيرة (١) وأن تطبيق الحدود ستكون شبهة للتسييس (٢).

وأما موقف الجابري من العلمانية فهو في الحقيقة رفض للفظها، وقبول لمحتواها، فهو يرفض اللفظ لما تعرض له من إسقاط وتشويه في نفوس عامة الناس، فأراد البحث له عن ألفاظ بديلة، فالعقلانية والديمقراطية التى عرضها بديلًا عن العلمانية تحمل ذات المضامين المستقرة في العلمانية.

بعد هذا، يتضح جواب السؤال السابق:

هل تحول العلمانيون إلى الصف الإِسلامي وأصبح تحكيم الشريعة من الأمور المسلمات؟

بالتأكيد لا، فما زال العلمانيون على موقفهم في رفض تحكيم الشريعة، إنما الذي استجد هو انتقال أكثر العلمانيين وبعض الإسلاميين إلى تبني ذات الموقف العلماني من تحكيم الشريعة وهم يحسبون أنها هي الشريعة، فبدلًا من رفض الشريعة، تفرغ من مضمونها وتعبأ بذات المضامين العلمانية والليبرالية، ولهذا يجري في رؤيتهم تأويل كافة الأحكام الشرعية التي تعترض عليها الثقافة الحداثية المعاصرة، فأي حكم لا ترتضيه الحداثة فهو مؤول ويبحث في سبيل ذلك عن أي خلافٍ فقهي أو سبب نزول أو أي مخرجٍ من هنا أو هناك.

تطبيق الشريعة بعدم تطبيق الشريعة، مسلك لجأ إليه العلمانيون هروبًا من النفرة التي يجدون أنفسهم فيها مع أي احتكاك لهم مع الشارع المسلم، كما ذهب إليها بعض الإسلاميين هروبًا من الضغط الذي يلاحقهم به العلمانيون!


(١) انظر: الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ١١٦ - ١١٧.
(٢) انظر: الدين والدولة وتطبيق الشريعة، ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>